بل أن نبدأ في تعلم أحكام التجويد، يجدر بنا تعلم آداب تلاوة القرءان الكريم، إرضاءً لله تعالى و تنزيهاً لكتابه. فحامل القرءان و معلمه قدوة لكل طالب علم في كل مجلس.
أولاً: آداب تلاوة القرءان
• أن يكون القارئ طاهراً من الحدثين، و أن يقرأ في مكان طاهر و من السنة أن يستاك بالسواك.
• أن يستقبل القارئ القبلة بقدر ما يستطيع.
• أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند البدء بالقراءة لقوله تعالى: " فَإذا قَرَأْتَ القُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجيمِ " و أن يبسمل أول كل سورة إلا أول سورة التوبة.
• أن يقرأ القرءان بالترتيل أي بمراعاة الأحكام عملا بقوله تعالى: " وَ رَتِّلِ القُرْءَانَ تَرْتيلاً ".
• أن يقرأ بترتيب المصحف اتباعاً لسنة النبي صلى الله عليه و سلم، و إذا بدأ سورة أن يُتِمَّها.
• ألا يقطع قراءته لأمر من أمور الدنيا إلا أن يلقى عليه السلام فيرد السلام ثم يعود للقراءة.
• أن يسجد عند مواضع السجدات و أن يحسن صوته بالقراءة و يزينه.
• أن يكون خاشعاً متدبراً لمعاني القرءان متأثرا بما يقرؤه حتى أن يبكي من شدة الخشوع و التأثر لقوله تعالى: " كِتابٌ أنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَرُوا ءَايَاتِهِ ي وَ لِيَتَذَكّرَ أوْلواْ الألْبَابِ" و ليستشعر وجود الله تعالى معه.
• يسن للقارئ إذا مر بآية رحمة أن يطلب الرحمة من الله. و إذا مر بأية عذاب أن يستعيذ بالله منه، و إذا مر بآية رجاء أن يدعو الله أن يغفر له و للمسلمين ، و لا ينشغل بما حوله و لا يلهو و لا يضحك أثناء التلاوة.
ثانياً : آداب الاستماع للقرءان
• أن يجلس المستمع في خشوع و يستمع في إنصات و سكينة و تدبر غير منشغل عنه بما سواه، لقوله تعالى: " و إذا قُرِئَ القُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أنصِتُوا لعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ".
• أن يسجد عند مواضع السجود كالقارئ و أن يصحح خطأ القارئ إذا أخطأ.
ثالثاً: آداب التعامل مع القرءان
• لا يمس بغير طهور، و يُعَظَّمُ فلا يوضع على الأرض مهملاً أو تحت غيره من الأشياء.
• و يجدر بحامل القرءان و مُعَلمُهُ و كذلك متعلمُه أن يصون لسانه و يبتعد عن آفات اللسان من غيبة و سباب و لغو، و أن يكون متحلياً بالفضائل، قدوةً لغيره، متأسياً في ذلك برسول الله صلى الله عليه و سلم، فقد سُئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي فقالت : " كان خُلُقُهُ القرءان ".
2- ترجمة عاصم
هو عاصم بن أبي النجود الأسدي الكوفي، شيخ الإقراء بالبصرة و أحد القرّاء السبعة، و كان من التابعين الأجلاء. انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد أبي عبد الرحمن السُّلمي و رحل الناس إليه للقراءة من شتى الآفاق، و تلقى الأئمة قراءته بالقبول، و توفي رضي الله عنه سنة 127 هجرية.
أما سنده، فقد قرأ رضي الله عنه على أبي عبد الرحمن السُّلمي و قرأ السُّلمي على علي بن أبي طالب و قرأ علي على رسول الله صلى الله عليه و سلم. كما قرأ عاصم على زر بن حبيش الأسدي و قرأ زر على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه و قرأ ابن مسعود على رسول الله صلى الله عليه و سلم. و من أشهر من روى عنه حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي و أبو بكر شعبة بن عيّاش. فكان – رحمه الله - يُقرئ حفصاً بالقراءة التي رواها عن السلمي عن علي ، و كان يُقرئ شعبة بالقراءة التي رواها عن زر بن حبيش عن ابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين.
3- ترجمة حفص
أما حفص، فهو حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي البزاز – نسبة إلى بيع البز ( أي الثياب )، و هو صاحب شيخه عاصم و ربيبه ( أي ابن زوجته ). لازمه و أخذ عنه القراءة عرضاً و تلقيناً فأتقنها حتى شهد له الالعلماء بذلك و تلقى الأئمة روايته بالقبول حتى صارت هي الأشهر و مكتوب بها معظم المصاحف.و قال عنه الإمام الشاطبي:
و بِالكوفةِ الغَرّاءِ مِنهُم ثلاثةٌ أذاعوا فَقَد ضاعَتْ شَذا و قُرُنفُلاً
فأما أبو بكرٍ و عاصِمُ اسْمُهُ فًشُعْبَةُ راوِيهِ المُبَرِّزُ أفْضَلا
و ذاكَ ابنُ عيَّاشٍ أبو بكرِ الرِّضا و حَفصٌ و بالإتقانِ كانَ مُفَضَّلاً
و قام حفصٌ بإقراء الناس بعد عاصم فترةً طويلة من الزمان، و توفي رحمه الله سنة 180 هجرية. و ثبتت عنه روايات عدة، أشهرها هما طريق الشاطبية و طريق طيبة النشر. و نحن ندرس طريق الشاطبية إلا أننا سنتعرض خلال الدراسة للفروق بين الطريقين إن شاء الله تعالى.
4- مقدمة علم التجويد
موضوع علم التجويد هو دراسة ما يتعلق بحروف اللغة و معالجة ما يلحق تلك الحروف من انحراف أو خطأ. و من يقرأ القرءان بطبعه دون علم بمخارج الحروف و صفاتها، يصيب و لا يدري و يخطئ و لا يدري. لذلك وجب على كل مسلم أن يتعلم كيف يقرأ كتاب الله على علم بطريقة صحيحة.و قد أمرنا الله تعالى بقراءة القرءان بكيفية معينة حين قال: " و رَتِّلِ القُرْءَانَ تَرْتِيلاً ".
لماذا يستطيع الإنسان الكلام بينما للحيوان اسم صوت فقط ( زئير – مواء – صهيل ) ؟ لأن الإنسان يستطيع تكوين " حروف" معتمداً على مخارج معينة بالفم و الحلق ، و لهذه الحروف صفات مختلفة تميز بعضها عن بعض.
كيف يتكون الحرف ؟ أو ما هما مادتا الحرف ؟ يتكون الحرف من النفس و الصوت. فالنفس يأتي من الرئتين بينما الصوت يحدث بسبب حركة الحبال الصوتية بالحنجرة . و تختلف كيفية تكون النفس و الصوت من حرف لآخر و هذا ما يُعرف بالصفات اللازمة . فالنفس له كيفيتان: حبس النفس ( الجهر ) و جريان النفس ( الهمس ) . أما الصوت فله ثلاث كيفيات: حبس الصوت ( الشدة ) و اعتدال الصوت ( التوسط ) و جريان الصوت ( الرخاوة ) .
الحركات و أداؤها
1- الفتحة : و تؤدى بفتح الشفتين طولياً ( رأسياً ) و تخطف حركة الفتح.
2- الكسرة : و تؤدى بكسر الشفتين أفقياً و تخطف حركة الكسر.
3- الضمة : و تؤدى بضم الشفتين و تخطف الحركة.
4- السكون : و هو انعدام الحركة تماماً و يؤدى باصطدام طرفي عضو النطق فتظهر صفات الحرف من نفس و صوت و تفخيم و ترقيق و يظهر زمنه أيضا. و هناك ثلاثة أزمنة للسواكن : الساكن الرَّخْو و زمنه بين الحركة و الحركتين، و الساكن المعتدل و زمنه زمن التوسط حركة واحدة، و الساكن الشديد و زمنه أقل من حركة واحدة . ملحوظة : في اللغة العربية لا يمكن البدء بساكن و لا الوقوف على متحرك.
5- التشديد : و الحرف المشدد هو في الحقيقة حرفان متماثلان : أولهما ساكن و ثانيهما متحرك بالفتحة أو الكسرة أو الضمة. و لأن أولهما ساكن، فلا يمكن أيضا البدء بمشدد.
و من الصفات اللازمة الهامة جداً في أول دراستنا، التفخيم و الترقيق.
• فالتفخيم هو : نطق الحرف مغلظاً حتى يمتلئ الفم بصداه. و حروفه هي حروف الاستعلاء السبعة: خص ضغط قظ.
• و الترقيق هو : نطق الحرف نحيلاً دون تغليظ . و الحروف المرققة هي الاثنا و عشرون حرفاً الباقية بعد حروف الاستعلاء، حيث إن حروف اللغة العربية تسعة و عشرون حرفاً لأن علماء اللغة و التجويد يفرقون بين الهمزة و الألف.
• هناك ثلاثة أحرف تتعرض لحالات من التفخيم و الترقيق حسب موقعها في الكلام : الألف و الراء و لام لفظ الجلالة فقط . و لأداء التفخيم ينبغي رفع أقصى اللسان أولاً قبل النطق بالحرف.
6- المبادئ العشرة لعلم التجويد
ينبغي لكل من شرع في تعلم علم من العلوم أن يعرف مبادئه العشرة المشهورة ليكون على بصيرة فيما شرع فيه . و المبادئ العشرة لعلم التجويد هي :
اسمه
علم التجويد و هو علم يبحث في الكلمات القرءانية من حيث مخارج الحروف و صفاتها.
تعريفه
التجويد لغةً : التحسين و الإتيان بالجيد. و اصطلاحاً : هو إخراج كل حرف من مخرجه و إعطاؤه حقه و مستحقه من الصفات اللازمة و العارضة.
حق الحرف: هو صفاته الذاتية التي تميزه عن غيره كالشدة و الجهر و الاستعلاء و الصفير و غير ذلك من الصفات القائمة بذات الحرف. مستحق الحرف : هو صفاته العارضة التي يتعرض لها أحياناً و تنفك عنه أحياناً أخرى كالإظهار و الإدغام و الإقلاب و الإخفاء، و كالتفخيم و الترقيق للألف و الراء و لام لفظ الجلالة، لأن التفخيم و الترقيق في باقي الحروف صفة لازمة . و إلى هذا يشير الإمام ابن الجزري بقوله:
و هُوَ إعْطاءُ الحُروفِ حَقَّها مِن صِفَةٍ لها و مُسْتَحَقَّها
موضوعه
عند الجمهور : القرءان الكريم فقط. و قيل الكلمات القرءانية و الحديث و قيل الحروف الهجائية.
فضله و الغاية منه
هو من أشرف العلوم لكونه متعلقاً بالقرءان الكريم ، و الغاية منه التمكن من حُسن تلاوته و صون اللسان عن الخطأ في كتاب الله تعالى.
فائدته و ثمرته
فائدته و ثمرته رضا الله تعالى و الفوز بسعادة الدارين. و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم : " الماهر بالقرءان مع السَّفرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ " .
نسبته بين العلوم
هو أحد العلوم الشرعية المتعلقة بالقرءان الكريم.
واضعه
من الناحية العملية : فهو سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ، حيث نزل عليه القرءان من عند الله تعالى مجوداً مرتلا. و من الناحية النظرية: فقيل أبو الأسود الدؤلي و قيل أبو عبيد القاسم بن سلام و قيل الخليل بن أحمد ، و قيل غيرهم من أئمة القراءة و التجويد.
استمداده
كان استمداده من كيفية قراءة الرسول صلى الله عليه و سلم التي حفظها منه الصحابة ثم التابعين ثم أئمة القراءة حتى وصل إلينا متواتراً .
مسائله
هي قواعده و قضاياه، كقولنا إن كل نون ساكنة أتى بعدها حرف من حروف الحلق وجب إظهارها، أو إن كل حرف مد جاء بعده همزة في نفس الكلمة وجب مده أربع أو خمس حركات....
حكمه
العلم به فرض كفاية، أي إذا قام به البعض أجزأ و سقط عن البعض الآخر . و إذا لم يقم به أحد أثم الجميع. و لكنه فرض عين على أهل القرءان و العلوم الشرعية، و الدليل قوله تعالى: " فَلوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرقَةٍ مِنْهُمْ طَائفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ " (التوبة122). أما قراءة القرءان بالتجويد فهي فرض عين على كل مسلم و مسلمة من المكلفين لقوله تعالى : " وَ رَتِّلِ القُرْءَانَ تَرْتِيلاً " (المزمل5).
أركان التجويد
1- معرفة مخارج الحروف 2- معرفة صفات الحروف 3- معرفة أحكام التلاوة و الوقف 4- رياضة اللسان بكثرة التكرار.
ملحوظة : لا يمكن إتقان تلاوة القرءان إلا بالتلقي من أفواه المشايخ ( بالمشافهة ). فعن طريقها وحدها يتم تصحيح أخطاء النطق و الأداء .فالدراسة من الكتب لا تغني عن التلقي و هذه الطريقة هي التي تم بها تواتر القرءان محفوظاً كما أنزل حتى وصل إلينا منذ عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم و إلى ما شاء الله
أسئلة
1- ما هو حق الحرف ؟ و ما هو مستحقه ؟ 2- من واضع علم التجويد ؟ و كيف استمد العلماء الأولون قواعد و أسس هذا العلم ؟ 3- ما حكم تعلم علم التجويد بتفاصيله ؟ و ما حكم تعلم قراءة القرءان قراءة صحيحة ؟ 4- ما هي أركان التجويد ؟ و ما أهمية المشافهة ؟
6- مراتب التلاوة
للقراءة ثلاث مراتب: الترتيل و التدوير و الحدر.
الترتيل
هو قراءة القرءان الكريم بالتأني و الاطمئنان من غير عجلة، مع تدبر المعاني و إخراج كل حرف من مخرجه و إعطائه حقه و مستحقه من الصفات اللازمة و العارضة.
و هذه المرتبة هي أفضل المراتب، لما فيها من التدبر و الاطمئنان. و أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه و سلم بها، فقال: " وَ رَتِّلِ القُرْءَانَ تَرْتِيلاً " . و سُئلَت عائشة رضي الله عنها عن قراءة النبي صلى الله عليه و سلم فقالت: " كان ينبذه حرفاً حرفاً ".
التدوير
هو مرتبة متوسطة بين الترتيل و الحدر أي بين الاطمئنان و السرعة، مع المحافظة على الأحكام.
الحدر
هو القراءة بسرعة مع المحافظة على الأحكام.
و هذه المراتب كلها جائزة . و ذكر العلماء مرتبة رابعة ، و هي التحقيق . و قالوا عنها بأنها أكثر تؤدة و أشد اطمئناناً من مرتبة الترتيل، و هي التي تُستَحسنُ في مقام التعليم... لكن لا بد أن يُحتَرَز من التمطيط و الإفراط في إشباع الحركات و الغنات.
أسئلة
1- اذكر مراتب التلاوة و عرِّف كلاً منها.
2- أي هذه المراتب أفضل في مقام التعليم ؟ و أيّها أفضل في مقام التعبد ؟
3- ما هي الصفة التي شرع الله تعالى لنا قراءة القرءان بها ؟ و كيف تتحقق ؟
7- صفات الحروف
الصفة لغةً: ما قام بالشيء من المعاني كالسواد و البياض الخ.... و اصطلاحاً : هي كيفية ثابتة للحرف عند النطق به من جهر و شدة و همس و قلقلة... و تفيد معرفة الصفات في :
• معرفة كيفية أداء الحرف أداء صحيحاً بإعطائه صفاته اللازمة و العارضة، فالحرف يعتمد في تكوينه على المخرج و كذلك على الصفة.
• التمييز بين الحروف المشتركة في نفس المخرج كالصاد و السين فالفرق بينهما هو فقط أن الصاد مفخمة و مطبقة بينما السين مرققة.
• فهم أحكام التماثل و التجانس و التقارب و الإدغام ، مما سيأتي ذكره لاحقاً.
و تنقسم الصفات إلى قسمين: صفات لازمة و صفات عارضة.
الصفة اللازمة
هي الصفة التي تلازم الحرف و لا تنفك عنه بأي حال من الأحوال كالجهر و الاستعلاء و الإطباق...
الصفة العارضة
هي الصفة التي تعرض للحرف في بعض الأحوال و تنفك عنه في أحوال أخرى حسب موقعه في الكلام، كالإظهار و الإدغام و الإخفاء و الإقلاب و المد و القصر و الحذف و الإثبات و التحقيق و التسهيل و الإبدال.... و الحروف التي تتعرض للصفات العارضة هي ثمانية حروف فقط مجموعة في كلمة : أويرملان .
و قد قسم العلماء الصفات إلى صفات ذات ضد و صفات لا ضد لها. و فيما يلي بيان الصفات ذات الضد و هي عشرة + توسط الصوت:
1- الهمس و معناه لغةً : الخفاء. و اصطلاحاً : جريان النفس عند النطق بالحرف لضعف اعتماده على المخرج. و الحروف المهموسة عشرة : فحثه شخص سكت. و عند أدائها تعطى زمناً قدره أكبر من الحركة و اقل من الحركتين.
2- الجهر و هو لغةً : الظهور و الإعلان. و هو ضد الهمس